يعود الحديث من جديد عن دور أكثر فعالية لحلف شمال الأطلسي ” الناتو ” في الشرق الأوسط، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب طلب بلهجة واضحة من الحلف تكثيف وجوده ودوره في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك أعلن الأمين العام للحلف ينس ستولتنبيرغ أنه اتفق مع الرئيس ترامب على أن بإمكان الناتو تقديم إسهام أكبر في إرساء الاستقرار الإقليمي، ومكافحة الإرهاب.
الدور المطلوب من الناتو على صلة مباشرة بالأزمة القائمة بين أمريكا وايران على خلفية إنسحاب الأولى من الاتفاق النووي، واغتيالها لقائد فيلق القدس قاسم سليماني، والتهديدات التي يتعرض لها حلفاء أمريكا نتيجة السياسة الايرانية في المنطقة، ورغم التباين الواضح في المواقف بين بعض أعضاء الحلف، والبيت الأبيض، إلا أن الرئيس ترامب يريد ايجاد معادلة أو جامع مشترك بين مختلف الأطراف على نقاط محددة بشأن الوضع في الشرق الأوسط الذي يمس أمن أوروبا ومصالحها أكثر من غيرها، حتى أن الرئيس ترامب انتقد بشدة تصريحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي وصف الحلف بأنه في حالة موت سريري!
أردت أن تكون البداية مقدمة لتحليل الأهمية العالية لجولة جلالة الملك عبدالله الثاني الأوروبية ومباحثاته الرسمية مع الملك فليب ملك بلجيكا، والرئيس الفرنسي ماكرون، ولقاءات جلالته مع المجلس الأوروبي، والمفوضية الأوروبية، والبرلمان الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي والتي تتزامن مع نظرة جديدة لدور أوروبي أكثر تأثيرا في التحكم بالتطورات الخطيرة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط.
لمسنا في الآونة الأخيرة حركة نشطة في العلاقة بين الأردن وحلف الناتو، ولا بد أن نتذكر بأن الحلف اعتمد سفارتنا في بروكسيل رسميا لدى أمانته العامة منذ عامين، لأنه يرى في الأردن صديقا مهما في الشرق الأوسط، وبلدا ركيزا في دعم الاستقرار الإقليمي، وفي محاربة الإرهاب والتطرف، مثلما يرى في ” اجتماعات العقبة ” التي جاءت بمبادرة من جلالة الملك عام 2015 للتشاور بين قادة الدول حول مواجهة الإرهاب، وتعزيز فرص الأمن والتعاون والسلام الإقليمي والدولي، عملية متقدمة ، سبقت ما يجري التفكير فيه حاليا من تحرك يعيد للتعاون الجماعي مكانته في حل الأزمات الراهنة، وفي إعادة توظيف ما يعرف بدور “المجتمع الدولي” في الاتجاه الذي يخدم البشرية جمعاء.
جميع قادة الدول الكبرى قالوا في مناسبات عديدة إنهم يستمعون باهتمام بالغ ، ويثقون بالتحليل الإستراتيجي الذي يقدمه جلالة الملك، حول واقع واحتمالات تطور الأزمات التي تتصاعد في غياب موقف صارم مستند إلى الشرعية الدولية من أجل إنهائها، وها هو اليوم يضع رؤيته للعام 2020 أمام الأوروبيين، ويحذر الجميع من المخاطر المنتظرة نتيجة عودة ظهور داعش في المشهد الإقليمي من جديد، ومن تداعيات الأزمة الايرانية وأثرها على استقرار المنطقة،فضلا عن توقف عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مع التأكيد على أن أوروبا معنية بتصويب الاتجاه في المنطقة من خلال السعي للتهدئة والحد من التوتر.
بذل الأردن كل ما في وسعه للحافظ على التوازنات الإقليمية حتى لا تفقد توازنها، وتحمل في سبيل ذلك من الأعباء السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية ما تعرفه وتقدره الدول جميعها، وعلى وجه الخصوص أوروبا التي تتأثر من حالة الشرق الأوسط تأثرا مباشرا، ومع ذلك تبدو المساعدات الدولية لبلد تضاعفت تكلفة الأمن عليه أكثر من طاقاته، وتأثر اقتصاده بشكل فادح نتيجة وضع إقليمي أساسه دولي، أدنى بكثير مما ينبغي تجاه بلد يعول عليه كثيرا في نظرية الأمن والتعاون الإقليمي والدولي، وفي اعتقادي أن رسالة جلالة الملك لحلف الناتو صريحة وواضحة جدا، لعل الحلف يصحو من جديد، فيقتنع الرئيس ماكرون وآخرون بأنه ما زال على قيد الحياة!