متفقون على أن الأزمة التي يعيشها العالم كله فريدة من نوعها، وخطيرة بجميع أبعادها الآن وفي المستقبل القريب، وأن الدول منفردة ومجتمعة أمام اختبار كبير لبنيتها وكيانها وقدراتها الفعلية، وأن النجاح الذي تحققه كل دولة في التعامل مع الفيروس في هذه المرحلة يجب أن تبنى عليه مفهوم “النظامية” أي العمل المنظم والمنهجي في معالجتها وتعاملها مع المراحل اللاحقة .
لم نكن بعيدين في بلدنا الأردن عن ذلك المفهوم، ولكن من الأهمية بمكان أن ندرك في الوقت المناسب بعض الدروس المستفادة حتى نؤسس عليها موقفنا من التطورات والاحتمالات المتوقعة، ولا بأس أن نضع العناوين لكل درس تعلمناه، خاصة وأن بعض ما حققناه بحاجة إلى أن يثبت بطريقة منطقية واضحة، كتلك الثنائية التي تمت ممارستها على أرض الواقع من دون أن توضع في اطار محدد!
تلك الثنائية التي أقصدها هي الذراعان المدني والعسكري اللذان تجري بهما عمليات التصدي لفيروس الكورونا ومحاربته، وفي اعتقادي أن القيمة الحقيقية التي يتوجب علينا فهمها تكمن في نظامية الجيش والأجهزة الأمنية التي تعمل في جميع الأحوال بصورة منظمة ومنهجية، ومن الطبيعي أنها تعكس تلك الفضيلة على الأجهزة المدنية حين تعمل معها في ميدان واحد، وأن ضبطها لأوامر الدفاع وتنفيذها ليس منفصلا عن حضورها القوي في خطة المواجهة تخطيطا وتنظيما وتنفيذا، وفق المفهوم العام لفرض النظام وحماية أمن الدولة واستقرارها ومصالحها العليا.
علينا أن نتذكر الآن أن جلالة الملك عبدالله الثاني، القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، سبق وأن شرح في مناسبات عديدة الدور الكبير الذي تستطيع قواتنا المسلحة القيام به من أجل المشاركة في عمليات التنمية الشاملة، وهذا البعد المدني لمؤسسات عسكرية يجعلنا نفهم الفرق بين “عسكرة الدولة” وبين “نظامية الدولة” التي توظف جميع مؤسساتها العسكرية والمدنية لتعزيز قدراتها على مواجهة التحديات، وهو ما حدث بالفعل خلال الأزمة الراهنة، وما ينبغي أن يستمر لمواجهة الأزمات المنتظرة، التي سيعيشها العالم حين يواجه الحقائق الناجمة عن الفيروس وما فعله بالنظام العالمي الذي بات يسعل بلا انقطاع!