هُنَاكَ شبه اتِّفاق بَيْنَ الأردنيين عَلَى أن الأداء الحكومي فِي مسألة التَعَامُل مَع جائحة كورونا كانَ ناجِحًا بكل الـمَعايِير، من الناحية الصحية، وإن كانَت هُنَاكَ إشكاليات شابت تَطْبِيق مَوْضوع التصاريح، والحظر الشامل فِي العيد، وغيرها من المسائل الَّتِي أغضبت جزءًا من الشعب، وَمَع ذلِكَ لا بُدَّ من البِنَاء عَلَى الإنجازات لِلوُصُولِ إلى إدارة أزمة ناجحة كَيْ نخرج من الجائحة بأقل الخسائر.
لا بُدَّ لِلْحُكُومةِ أن توقف الحظر كُلياً، وأن تَقُوم بإجراءات بديلة وسريعة، وهَذَا لا يَعْنِي تسليمنا أن مَخَاطِر الكورونا زالت، وأننا وصلنا إلى مرحلة الأمان الـمُطْلَق، فتجارب الدُّوَل الأخرى لا تدل عَلَى ذلِكَ، وَلَكِن لا بُدَّ من فعل ذلِكَ مُرافِقا لإجراءات شَدِيدَة لأنَّ المزاج العام لِلْنَاسِ لَنْ يدوم كَمَا هُوَ، وَيُمْكِنُ أن يقلب بأيِّ لحظة – لا سمح الله- ولا نُريد أن نصل إلى أي تصادم ما بَيْنَ النَّاس وَالحُكومَة، لأنَّ طبيعة الـمَرْحَلَة الحساسة الَّتِي نمر بِهَا تتطلب تكاتف الجَمِيع، وَالاتفَاق عَلَى أهداف سريعة نتوافق عَلَيْهَا، وننطلق بِهَا لتقليل خسائرنا الاقتصادية والاجتماعية مِمَّا حَصَلَ.
مَع تفهمنا لخطورة الوباء، وإمكانية ارتفاع الإصابات فِي أي وَقْت، ولحساسية الوضع بِحَيْثُ أن أي خطأ غير محسوب قَدْ يصنع بؤرا جَديدَة لانتشار الوباء نَحْنُ فِي غنى عَنْهَا، فإن من شأن فتح الـمَجَالات الاقتصادية كافة، وبدون استثناء، وإلغاء الزوجي والفردي، والحظر بعْد السَّاعَة السَّابِعَة، وحظر الجُمْعَة، سيحرك عجلة الاقتصاد، ويقلل من الخسائر الاقتصادية الَّتِي تصيب للآن مُعْظَم القطاعات، لَكِن السؤال الأخطر فِي الـمَوْضُوع كَيْفَ يُمْكِنُ اسْتِمرار السيطرة عَلَى الوضع، وَهَلْ الحل الوَحِيد هُوَ المراهنة عَلَى وعي المواطن، وهَذَا فِيهِ مَخَاطِر عديدة لا داعي للتركيز عَلَيْهَا هُنا.
لست من أصحاب نظرية الاعتماد عَلَى وعي المواطن، وَليْسَ السَّبَب لأنَّ شعبنا غير واعٍ، أوْ غير ملتزم، بَلْ لأنَّ طبيعة الوباء حساسة جِدًّا، وَقَدْ ينتشر بِسُرْعَة هائلة، ومِن طبيعة البشر أن تَكُون بَيْنَهُم نسبة قليلة من غير الملتزمين، وَيَكْفِي الإشارة إلى أن وُجُود ألف شَخْص من الشعب غير ملتزمين وَهِيَ نسبة لا تذكر كافية لايصالنا إلى مرحلة الخطر لا سمح، الله إذا مَاذَا نفعل؟
هَذِهِ اقترحات اعتقد أنها يُمْكِنُ أن تساهم فِي تحسين الوضع:
أولًا: تفعيل فرض الكمامة عَلَى النَّاس، ومنع التجمهر، وَيُمْكِنُ فِي هَذَا السياق وضع شرطي أوْ عسكري فِي أي مَكَان يتجمع فِيهِ النَّاس عَادَة – فِي الأسواق وأمام الـمَحَلَّات الَّتِي تشهد ازدحاما- وَفِي حَالَة الْحاجَة تعزيزهم بِقُوَّةٍ أمنية أوْ عَسْكَريَّة لمنع التجمهر، مَع فَرض غرامات عَلَى الـمُخَالَفَات عَلَى الأفراد مِثْلَمَا يَحْصل مَع السَّيَّارات وعدم التهاون فِيهِا أبدا، وَتَجْرُبة البنوك، الَّتِي بدأت بتواجد شرطي وعسكري أمام كل فرع، ثمَّ استمر النَّاس بالالتزام بعْد سحبهم من أمامها أكبر دليل عَلَى أن النَّاس يُمْكِنُ أن تنضبط، وتنصاع لحكم القَانُون، وَفِي هَذَا السياق يُمْكِنُ فرض حجر إجباري فِي مَكَان حكومي عَلَى من يُكَرِّر الـمُخالفَة من الأفراد، وَلِمُدَّة أسبوعين، تتصاعد فِي حَالات التكرار لاحِقًا، وَبِذَلِكَ وبدلًا من أن نحجر عَلَى المواطنين الملتزمين بِالقانونِ، نحول الحجر عَلَى من يخالفوه، وهَذَا يَتَطَلَب مَزيِد من الرقابة عَلَى التنفيذ كَيْ نمنع الواسطة والمحسوبية، أوْ المجاملات لأيّ سَبَب من الأسباب، فإذا كانَت الواسطة فِي مَجَال الوظائف تدمر الكفاءة الإدارية، فَكيفَ بأمر يتعلق بوباء وجائحة مثل الكورونا؟
ثانيًا: فتح باقي القطاعات الَّتِي لَمْ يَتِمّ السَّمَاح لَهَا بالعمل، وَمِنْهَا صالات الأفراح، وصالات الـمَطَاعِم، وَالسَّمَاح لَهَا بالعمل ضمن التعليمات الصارمة، وبحد أعلى نصف استيعابها من الزبائن، وَمُرَاقَبة الأفراح من الدَّاخِل من خِلال رجال الأمن، وإدارة الصالات، وَمَع مُرور الوَقْت سيتم ضبط الأمور، والتعايش مَع طَرِيقَة الْحَياة الْجَديدة، هَذَا إضافة إلى ضَرُوْرَة فتح المساجد ضمن هَذِهِ الضوابط.
ثالثًا: السَّمَاح بالانتقال بَيْنَ المحافظات خاصة محافظات الوسط، وهَذَا من شأنه إرجاع الزخم الاقتصادي، وتقليل الخسائر، وخفض حجم الوظائف المتوقع خسارتها فِي الأيام القادِمَة.
لَمْ يعد كورونا مَوْضوعًا صِحِّيَّاً بَحتاً، فَهْوَ اقْتصادي أيضًا بامتياز، وَالوُصُوْل إلى مرحلة خَطِيرَة فِي التباطؤ الاقتصادي، وفقدان الوظائف لَهُ تداعيات نَحْنُ لا نقدر عَلَيْهَا، لِذَلِكَ لا بُدَّ من التحرك سريعًا، والاستعاضة عَن الحظر الجزئي والشامل بخطوات ذكية تقلل من المخاطر، وَفِي الوَقْت نَفْسه تُحَافِظ عَلَى مُسْتَوَى النشاط الاقتصادي.
كورونا كارثة دولية، تمكنا من التقليل من آثارها الصحية بنجاح يحسب لِلْحُكُومةِ، والقطاع الصحي، والشعب الأردني، لَكِن اسْتِمرار الحجر، والفردي والزوجي، قَدْ يؤدي إلى نَتَائِج اقتصادية عكسية.
لنخرج من هَذِهِ الأزمة بأقل الخسائر، وَحُمَّى الله الشعب الأردني وشعوب الأرض كلها، وَلَعَلَّ نِهايَة هَذَا الكابوس تَكُون قَرِيبَة.