تمر علينا في هذه الأيام، الذكرى الخامسة عشرة لتأسيس جامعة الشرق الأوسط، وهي التي نحتت اسما في فضاء العلم والتعليم، وانطلقت تخط طرق الريادة في كافة مجالاتهم، لتكون رقما صعباً في معادلة التعليم في وطننا الحبيب.
وعند الكتابة عن هذا الصرح، لا بد من التذكير برؤيتها بأن تكون جامعة جادة وملترمة، تتبنى قضايا وطنها وأمتها في كل المجالات، وهي التي ما فتئت تغرس في طلبتها وإدارييها وأكاديميها معاني البذل والعطاء.
هذا الصرح الذي لا زلت أذكر جيدا كيف ابتدأ صغيرا بحجمه، عظيما بإصراره، يسابق الزمن ويرى في التحديات فرصا يثبت من خلالها أنه خارج حسابات الفشل، فقصة نجاح هذا الصرح، يشهد لها القاصي والداني في مجالات البحث العلمي، ورعاية الموهوبين، وخدمة المجتمع والوطن، وتبني قضايا الأمة.
لقد أولت الجامعة منذ بدايتها، أولوية للبحث العلمي والاستثمار في الإنسان، فكانت منذ نشأتها تستقطب المبدعين والمؤمنين بالتغيير، تحضهم على السير في خطى التعلم، وتسخر لهم كل الموارد، وتجعل منهم أولوية لها، فقامت الجامعة خلال سنينها الخمسة عشر، برعاية وإرسال الكفاءات للدراسة في أرقى الجامعات والمعاهد العالمية لنقل التجارب الاكاديميه والخبرات التعليمية المختلفة، وتوطينها بالمملكة.
وانسجاماً مع رؤية جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم، بجعل الأردن مركزا إقليمياً وريادياً في مجال التعليم، سعت الجامعة بخطى دؤوبة على أن تعقد شراكات مع جامعاتٍ عالميةٍ مرموقةٍ لتوطين برامجها في المملكة، لتكون أول جامعة تستضيف برامج أكاديمية مع جامعات بريطانية لدرجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في المملكة.
وما غاب الهم الوطني والمجتمعي عن بال الجامعة يوماً، فكانت دائما السباقة لخدمة المجتمع المحلي من خلال الندوات والدورات التدريبية في الجامعة وخارجها، وتسخير كافة امكانيات الجامعة من مختبرات ومراكز وقاعات وملاعب، وإشراك المجتمع المحلي بصناعة القرار وتحديد أولويات الجامعة. كما حرصت الجامعة ممثلة برئاستها على التأكيد دوما على أهمية توجيه البحث العلمي لخدمة أبناء المنطقة والمحافظات القريبة.
وفي الأشهر الأخيرة، جاءت جائحة كورونا لتثبت الجامعة بأنها صرح بحجم وطن، فمنذ اليوم الأول للجائحة، وضعت الجامعة رؤيتها للتعامل مع كافة السيناريوهات، وارتأت إدارة الجامعة وضع سلامة الطلاب والعاملين كأولوية، ولم تتناسى أبدا دورها في التعليم والتعلم، من خلال تهيئة طلبتها ومنتسبيها للتعلم عن بعد.
وما أن اشتدت الأزمة، حتى كانت الجامعة سباقة لتلبية نداء الوطن وقائده، وجنديا في معركته مع الجائحة، تتبنى توجيهات قائد الوطن بالوقوف مع الوطن والمواطن، فقدمت الخصومات والتسهيلات المالية لطلبتها، وانطلقت تدعم المجتمع المحلي والوزارات والوطن بكل الإمكانيات والتجهيزات والتبرعات العينية والنقدية، دون المساس بأي من حقوق ومكتسبات عامليها ومنتسبيها.
وخلال الجائحة، لم يتوقف دعم الجامعة وإدارتها لمنتسبيها وطلبتها، فحرصت على تقدير مجهودهم وشكرهم والامتنان لهم والاطمئنان على صحتهم، وتحفيزهم للبذل والعطاء.
في هذا الصرح الذي ما زلت اخدم فيه منذ العام ٢٠١٢، رأيت الأحلام تصبح حقيقة، ورأيت هذا الصرح يكبر عاماً بعد عام، ولكنه يحتفظ بألقه وشبابه، يجدد رونقه كل عام مع بدء العام الدراسي، ويثبت أنه تجاوز الزمان والمكان، فهو فتي بألقه، عالمي بمكانته، متجذر بثوابته.
وفي هذا الصرح تعلمت أن لا معيار ولا سبيل للتقدم إلا بالعمل الجاد فقط، يتساوى فيه كل أبناء هذا الوطن بالفرص، ويتنافسون بالإنجاز، يجمعهم حب الوطن والعلم، وفي ذلك يتنافسون.
في عامها الخامس عشر، تغدو الجامعة أقوى وأكثر طموحاً، فرؤية الجامعة بأن تكون جادة ملتزمة وعالمية، باتت تؤتي أُكلها، وهو ما انعكس على سمعة إدارييها وأكاديميها وطلبتهم إيجاباً.
كل عام وجامعتنا الحبيبة بألف خير، وهي التي كانت وستبقى تحتضن أحلام الطامحين في وطننا، أراها صرحاً شامخاً كل صباح، فاستذكر فيه قول الشاعر:
عَهِدتُ به شرخَ الشبابِ ونعمةً ………………. كنِعْمَةِ قومٍ أصبحـوا في ظِلالكا
فقد ألِفـَـتْهُ النفسُ حتَّى كأنه ………………. لها جسدٌ إنْ بانَ غودِرْتُ هالكا
فجامعة تضع النجاح والعالمية هدفاً لها، وتولي قضايا الوطن والأمة أولوية، تستحق منا كلمات الامتنان والعرفان، والتحية للعاملين عليها ابتداء بمؤسسها سعادة الدكتور يعقوب ناصر الدين، مرورا بإدارتها ومنتسبيها وطلبتها.
د. المعتصم محمد درويش
كلية الهندسة