بالتزامن مع إعادة فتح المطارات، يكاد أغلب المتابعين، بل وأكثرهم تفاؤلاً يُجْمِعُ على أنه لا عودة للسياحة الوافدة قبل مضي عام على الاقل من الآن، وهو مؤشر يحمل الكثير من الأمل للبعض، وكذلك الكثير من الألم لمن يتخذُ من السياحة مصدراً وحيداً للدخل، حيث أن قدرة التحمل أمام هؤلاء ستكون على المحك، وبكل تأكيد ستكون فترة تَحْمِلُ من القسوة الشئ الكثير، في ظل غياب أي نوع من المساعدة الحقيقة لهذه الفئة التي نذرت نفسها للعمل فقط في قطاع السياحة.
جائحة كورونا والتي أتت على حين غرة، ستكون لها بصماتها الواضحة على كل القطاعات بشكل عام، وعلى قطاع السياحة بشكل خاص؛ وهو القطاع الأكثر تضرراً بحسب رأي خبراء ومختصين دوليين. كورونا ستترك بصمتها على السياحة كماً ونوعاً، وسيكون السائح أكثر حذرا عند اتخاذ قرار السفر حول العالم، وستتقلص قدرته الشرائية بسبب تغير الأولويات في حياته تأثرا بكورونا وتبعاتها.
إن السمةَ الغالبة للسياحة الاردنية هي كونها سياحة ثقافية جاذبة لكبار السن، وخصوصاً من السوق الأوروبي، ولا بد من القول هنا أن فئةَ كبار السن قد تأثرت سلباً وبشكل واضح بأزمة كورونا، وذلك بسبب أن معظم الدول الغنية ستُعدِّلُ قوانينها فيما يخص هذه الفئة وسن التقاعد بهدف الحد من المصاريف، يضاف لكل ذلك أن هنالك قيوداً مشددةً سوف يتم فرضها على المسافرين في الفترة المقبلة، ضمن شروطٍ معقدةٍ وإجراءاتِ سلامة وفحوصات يجب إجراءها، قبل و عند الوصول، ضمن قوانين يجب تطبيقها في المطارات وداخل الطائرات والفنادق، وبما يعرف بالبروتوكول الصحي، مما سيشكل عائقاً أمام الراغبين في السفر، في ظل تباين واضح بمدى واليآت تطبيق هذه الاجراءات بين دولة وأخرى؛ فئة كبار السن ستكون الأقل رغبة بالسفر لأسباب مادية وصحية على حد سواء.
مما لوحظ في الفترة السابقة وخلال الفترة الأولى من إعادة فتح المطارات عالمياً، هو الارتفاع الغير مسبوق لأسعار تذاكر السفر، وهذا بكل تأكيد سيؤدي إلى الإحجام عن السفر من قبل الكثيرين، وبالتالي إلى حصر خيارات السفر ضمن فئة المضطر؛ كالسائح لأغراض علاجية، او زيارات الأقارب، او فئة رجال الأعمال، وسيكون هذا بالطبع ضمن حقيقة مفادها ان الأردن ليس وجهة سياحية ذات أولوية على لائحة السياحة العالمية اذا ما قورنت بغيرها من الوجهات الأقل تكلفة، والأسهل وصولاً (more affordable & more accessible).
بات الكثير من السياح المحتملين بلا وظائف، وبالتالي، هذا الواقع يفرض حقيقة أن هذا السائح سيكون أكثر حذرا وخوفا عند إختيار وجهته السياحية، حيث ستكون تكلفة الرحلة، ومدتها، وسهولة الوصول للوجهة السياحية، موضع عناية شديدة عند هذا السائح. لهذا، وبناءاً على قراءات متأنية للسوق السياحي، ومتابعة تحليلات المختصين محليا ودوليا، فإن هذه القراءات تشير إلى أن معظم الدول ستلجأ كما بات واضحا، إلى دعم السياحة الداخلية في بلدانها، لكي تحافظ على أموالها داخل بلدانها، وتفاديا لانتشار محتمل للمرض مرة أخرى، في ظل الحديث عن موجة ثانية أشد فتكاً، كذلك ستحتاج الدول، وحتى القوية منها اقتصاديا، إلى فترة نقاهة من هذه الجائحة حال انتهائها كما هو حال الشعوب.
أما فيما يخص قائمة الحلول المقترحة خلال هذه الفترة، وعلى المدى القريب، فأنني أكرر ما طرحته في مقالات سابقة وكما يلي:
- تفعيل أكبر لمبدأ التشاركية بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص، وذلك من خلال تشكيل مجلس من خبراء القطاع، قادر على إدارة الازمة كما يجب.
- زيادة الرقابة وتفعيل القوانين الخاصة بالسياحة الداخلية، لضمان ديمومتها، وضمان عدم التغول بين القطاعات المختلفة، المستفيدة من برنامج اردننا جنة.
- العمل على استمرار الدعم الحكومي، والتطوير المستمر لبرنامج اردننا جنة، وتنويع أماكن المبيت، حتى تعم الفائدة.
- إعادة النظر بتكلفة الرحلة السياحية للمملكة، وخصوصاً ذلك الشق المتعلق بأسعار تذاكر سفر الملكية الاردنية.
- إعفاء القطاعات السياحية الأكثر تضررا من هذه الأزمة من الضرائب، ورسوم التراخيص، وتخفيض أسعار الوقود لها، حتى تتجاوز الأزمة ولا تضطر لأغلاق أبوابها.
- منح القروض لممارسي المهن الحرة في القطاع كالادلاء السياحيين بدون اي فائدة، وضمن فترات سماح مرنة جداً، وإعادة جدولة قروضهم السابقة.
- تشديد القوانين التي تمنع تسريح العمالة المدربة في القطاع، وضمان حصولها على الحد الأدنى من الرواتب على أقل تقدير.
- طرح فكرة مجانية الدخول للمواقع السياحية، وخصوصاً في مراحل التعافي الأولى.
- طرح فكرة إلغاء رسوم الفيزا السياحية خلال مراحل التعافي الأولى كذلك.
- توحيد الإجراءات الخاصة بالبروتوكول الصحي، وتبسيطها في كل المعابر والنقاط الحدودية البرية والبحرية والجوية.
- تقديم الحوافز لسياحة البواخر السياحية وخصوصاً أن هذا النوع من السياحة يتركز نشاطه في المثلث الذهبي الخالي من كورونا تقريبا.
ختاما لا بد من القول أن السياحة الداخلية لا زالت تطرح نفسها حلا وحيداً ضمن الغياب الكامل لأي حل بديل ناجع، وهو ما سيلعب دوراً مهماً من أجل ضمان ديمومة المنشآت السياحية والمحافظة على العمالة، التي وصلت لمرحلة الشهر السادس من عمر الأزمة، وهو الشهر الذي ينذر بكوارث اجتماعية في حال استمرت الأزمة بهذه الوتيرة دون إيجاد حل على المستوى الدولي. السياحة الداخلية لن تكون يوما بديلاً للسياحة الوافدة من ناحية الدخل المتأتي وتوفير فرص العمل، ولكنها على أقل تقدير تضمن الحد الأدنى من الدخل الذي يسمح بالبقاء على قيد الحياة سياحياً لحين إيجاد الحل عالمياً.